
مدخل إلى تقليد المُوسِيقَى المَقامِيّة الفنّيّة المشرقيّة العربيّة
✏️ بقلم البروفيسور نداء أبو مراد
البروفيسور نداء أبو مراد
بروفيسور في علم الموسيقى وعلم الأعصاب المعرفيّ للموسيقى في جامعة السوربون (باريس)، دكتور في الطبّ، عميد كلّيّة الموسيقى وعلم الموسيقى في الجامعة الأنطونيّة (لبنان)، المدير العلميّ والفنّيّ لمُلْتَقَى المُوسِيقَى المَقامِيّة

بروفيسور في علم الموسيقى وعلم الأعصاب المعرفيّ للموسيقى في جامعة السوربون (باريس)، ودكتور في الطبّ، وبروفيسور سينيور في علم الموسيقى، وعلم النفس العصبيّ للموسيقى، والمعالجة بالموسيقى في معهد البحث في علم الموسيقى (IReMus, UMR 8223) في جامعة السوربون، ومنسّق الشبكة العلميّة الدوليّة «الموسيقى وعلم الأعصاب والمعالجة» في Collegium Musicæ بجامعة السوربون، وهو في الوقت عينه عميد كلّيّة الموسيقى وعلم الموسيقى ومدير مركز البحث في التقاليد الموسيقيّة في الجامعة الأنطونيّة (لبنان)، والمدير العلميّ والفنّيّ لمُلْتَقَى المُوسِيقَى المَقامِيّة، ورئيس تحرير مجلّة التقاليد الموسيقيّة (RTM) المحكّمة دوليًّا، ومنسّق برامج تطوير التعليم الموسيقيّ في لبنان (المركز التربويّ للبحوث والإنماء). نشر عددًا كبيرًا من الدراسات في موسوعات ودوريّات علميّة محكّمة دوليًّا، وهو مؤلّف كتاب «عناصر السيمياء المقاميّة: مقاربة في النحو التوليديّ للتقاليد المونوديّة» (Elementsof Modal Semiotics: An Essay on Generative Grammar for Monodic Traditions) الذي وضع فيه نظريّته في السيمياء المقاميّة، وقد نال بفضله جائزة التميّز العلميّ السنويّة للمجلس الوطنيّ للبحوث العلميّة في لبنان (CNRS-L) لعام ٢٠١٧، في فئة «الأبحاث المعرفيّة المتعدّدة التخصّصات». وإلى جانب مساره الأكاديميّ، هو مؤلّف موسيقيّ وعازف كمان متخصّص في تقليد الموسيقى الفنّيّة المشرقيّة، وله عشرون إصدارًا موسيقيًّا على أقراص مدمجة.
ما هو المقام؟
إنّه مصطلح يستخدمه المنظّرون الموسيقيّون العرب منذ نهاية العصر الوسيط لتظهير مفهوم الطابع النغميّ المشترك لفئة من الأعمال الموسيقيّة، بحيث تشكّل مقامات تقليد موسيقيّ تصنيفًا للأطباع النغميّة لجلّ الأعمال المنضويّة في ذلك التقليد. ويقترن هذا الطابع بأربعة محدّدات، هي سلّم المقام وقراره وطريقته في الصياغة وطبعه الخُلقيّ. أمّا المحدّد الأوّل، أي السلّم، فهو يشكّل بنية المقام الصوتيّة، وهو نوع من الأبجديّة النغميّة، أي مجموعة مرتّبة من النغمات المُستخدمة لصياغة جلّ الألحان المطبوعة بذلك المقام. أمّا المحدّد الثاني، فهو يُنشئ تراتبيّة بين نغمات سلّم المقام، على أساس تمييز أقطاب المقام على أساس وظائفها، بخاصّة القرار، أي النغمة التي يُختم بها أيّ لحن من المقام، والغمّاز، وهو النغمة الممتدّة المتكرّرة التي ترتكز عليها الصياغة اللحنيّة. أمّا المحدّد الثالث، فهو الطريقة النموذجيّة التي تسلكها صياغة الألحان على أساس المقام، أي أنّه محدّد يعنى بالتركيب النحويّ للأعمال الموسيقيّة المقاميّة. أمّا المحدّد الرابع، فهو الطبع خُلقيّ الشعوريّ الشامل الذي يقترن بالاعمال المصوغة من المقام. ويترادف مُصطلح "مقام" العربيّ مع مصطلح "مود" (mode) المُستخدم في الألسن الأوروبيّة. وبالتالي، يُمكن تعريف "المُوسِيقَى المَقامِيّة" (musique modale, modal music) بأنّها النظام الموسيقيّ اللحنيّ المُعتمد على المقامات في صياغة الأعمال الموسيقيّة، وذلك لتمييزها عن "المُوسِيقَى الخماسيّة" وعن "المُوسِيقَى الطوناليّة" وهما نظامان مختلفان عن الأوّل ويتقاسمان مع النظام المقاميّ تنظيم جلّ الموسيقات في العالم.
مقدّمة
يُمكن للعالم العربيّ أن يفتخر بحيازته على أحد أهمّ التقاليد الموسيقيّة المَقامِيّة الفنّيّة في العالم، إذ شكّلت موسيقى البلاط العبّاسيّ ذروةَ هذا الفنّ العالميّ[١] في العصر الوسيط، نتيجةً لاستخلاصها عصارة التقاليد الموسيقيّة المَقامِيّة في آسيا الغربيّة ولتنميتها في تماس مع روائع الشعر العربيّ. وقد عاد هذا التقليد لينمو مجدّدًا في عصر النهضة العربيّة (١٧٩٨-١٩٣٩)، وتحديدًا في وادي النيل، عقب فترة من الهمود
الإبداعيّ عرفته آداب العرب وفنونهم خلال العصرين المملوكيّ والعثمانيّ.
وقد قامت مدرسة عبده الحمولي (1843-1901) باستخلاص عصارة التقاليد الموسيقيّة المَقامِيّة في الإقليم وسبكها في قالب إبداعيّ جديد، يعتمد على حبك نحويّ توليديّ موسيقيّ فريد بين سبع مقامات لحنيّة رئيسة وأوزان الشعر العربيّ، وذلك من ضمن عمليّة تأويليّة أعادت فتح باب الاجتهاد في الابتكار الموسيقيّ الفوريّ. ويتحقّق هذا الارتجال من ضمن أشكال مرنة من التلحين، تنضوي في قالب الوصلة الغنائيّة و\أو العزفيّة، وهو ما نُطلق عليه مصطلح "الموسيقى الفصحى المشرقيّة العربيّة"، بمعنى أنّها موسيقى كلاسيكيّة وأنّها تُفصح عن المكنون الإنسانيّ العاطفيّ من خلال النغم وعلى أساس الأصول المتوارثة المعبّرة، على أن يولّد هذا الإفصاحُ الوجدَ والطربَ العميق لدى السامعة ولدى السامع.
وإذ اعتمدت مدرسةُ الحمولي نهجَ التجدّد المتأصّل في التقليد التأويليّ، أي تيّارَ التجدّد من الداخل في مسار النهضة العربيّة، بحسب تصنيف ألبيرت حوراني (Hourani, 1962)، عملت غالبيّة الموسيقيّين المشارقة في المرحلة التي تلت الحرب العالميّة الأولى على أساس تيّار التجدّد من الخارج، أي الغربنة، بحسب التصنيف المذكور، ما أدّى إلى بروز الأغاني العربيّة الرائجة، على أسس نحويّة تدمج (بنسب متنوّعة) بين عناصر مقاميّة مشرقيّة وأخرى طوناليّة غربيّة، وذلك على حساب الموسيقى الفصحى المشرقيّة العربيّة التي تهمّشت تدريجيًّا، متماهيةً قصرًا مع مفهوم متحفيّ لتراث موسيقيّ عربيّ أحفوريّ، يُمكن سماعه في التسجيلات القديمة، وعلمًا أنّه يؤدّى في المعاهد الموسيقيّة الرسميّة، غالبًا بشكل جوقيّ أوركسترالي يُغيّب منهج الارتجال المتأصّل، على أنّ بعض الموسيقيّين حافظ على ممارسة أصيلة لهذا التقليد، إنّما في أُطر محصورة أو هامشيّة. وبالنظر إلى الحاجة المُلحّة إلى تعريف الجمهور مجدّدًا بالتقاليد الموسيقيّة الفنّيّة (الموسيقات الفصحى) الخاصّة بالعالم العربيّ وغرب آسيا، وكلّها مقترنة بمفهوم الموسيقى المقاميّة، وهو ما يسعى إليه مُلْتَقَى المُوسِيقَى المَقامِيّة، على أن تُستكمَل لاحقًا بنصوصٍ تُقدّم مدخلاً إلى تلك الموسيقات وبخاصّة إلى الموسيقى الفصحى المشرقيّة العربيّة.
[١] نسبةً إلى العالم الممتدّ من جنوب آسيا إلى أوروبا عبر غرب آسيا وشمال إفريقيا، الذي كان يعتمد برمّته الموسيقى المقاميّة كلسان لحنيّ مشترك.
Mention us - اذكرونا
#maqamfestival ملتقى_الموسيقى_المقامية#
